الجزء الاخير من القداس الالهى بقلم الانبا روفائيل

(13)
القداس الإلهي
لنيافة الأنبا رافائيل

عصير الكَرْم

+لماذا اختار السيد المسيح عصير الكَرْم خاصة ليتحول إلى دمه المُقدَّس، ولم يختر أي نتاج ثمر آخر؟
إن تشبيه المسيح والكنيسة بالكَرْمة موصوف بدقة وتكرار جميل على مدى الأسفار المُقدَّسة. فالمسيح هو الكَرْمة الحقيقية..
 "أنا الكَرْمَةُ الحَقيقيَّةُ وأبي الكَرّامُ" (يو15: 1).
 ونحن الأغصان (يو15: 5).

 وقد قال له المجد: "اُثبُتوا فيَّ وأنا فيكُم. كما أنَّ الغُصنَ لا يَقدِرُ أنْ يأتيَ بثَمَرٍ مِنْ ذاتِهِ إنْ لم يَثبُتْ في الكَرْمَةِ، كذلكَ أنتُمْ أيضًا إنْ لم تثبُتوا فيَّ" (يو15: 4).
وكل كنيسة محلية هي عنقود عنب في هذه الكَرْمة، والأعضاء المؤمنون هم حبات العنب. والكنيسة الجامعة هي الكَرْمة الضخمة الكبيرة التي تضم كل هذه العناقيد (هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها).

+والمسيح هو الجذر والأصل لهذه الكَرْمة. فتشبيه الكنيسة بالكَرْمة متغلغل في كل أسفار الكتاب المُقدَّس بعهديه:

 ففي المزمور: "كَرْمَةً مِنْ مِصرَ نَقَلتَ. طَرَدتَ أُمَمًا وغَرَستَها" (مز80: .. ويُقصد بالكَرْمة هنا شعب الله الذي أخرجه الرب من أرض مصر.
 وفي سفر التثنية يتكلّم موسى النبي عن البركة التي سيعطيها الله لشعبه قائلاً: "دَسَمِ لُب الحِنطَةِ، ودَمَ العِنَبِ شَرِبتَهُ خمرًا" (تث32: 14).

 وفي بركة اسحق أبو الآباء لابنه يعقوب قال: "عَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ" (تك27: 37).
وكان يقصد بالحنطة والخمر أن المسيح يأتي من نسل يعقوب بدليل أنه عندما جاء عيسو ليأخذ البركة "صَرَخَ صَرخَةً عظيمَةً ومُرَّةً جِدًّا، وقالَ لأبيهِ: بَارِكْني أَنَا أَيْضًا يَا أَبي" (تك27: 34)، ثم قال لأبيه: "ألكَ بَرَكَةٌ واحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبي؟ بَارِكْني أَنَا أَيْضًا يَا أَبي" (تك27: 38).

ولم يعطِه أبوه حنطة وخمر مثل أخيه قائلاً: "إني قد.... عَضَدتُهُ بحِنطَةٍ وخمرٍ. فماذا أصنَعُ إلَيكَ يا ابني؟" (تك27: 37). وهذا يدل على أن الحنطة والخمر لم يكون المقصود منهما المعنى المباشر الحرفي بل كانا رمزين لجسد الرب ودمه.. الرب المولود من يعقوب وليس عيسو.

+وتذكر الأسفار المُقدَّسة كلمة "دم العنب" عدة مرات في إشارات واضحة أن عصير العنب سيتحول إلى دم المسيح:

 "لا يَزولُ قَضيبٌ مِنْ يَهوذا ومُشتَرِعٌ مِنْ بَينِ رِجلَيهِ حتَّى يأتيَ شيلونُ ولهُ يكونُ خُضوعُ شُعوبٍ. رابِطًا بالكَرْمَةِ جَحشَهُ، وبالجَفنَةِ ابنَ أتانِهِ، غَسَلَ بالخمرِ لباسَهُ، وبدَمِ العِنَبِ ثَوْبَهُ" (تك49: 10-11).
 "وزُبدَةَ بَقَرٍ ولَبَنَ غَنَمٍ، مع شَحمِ خِرا فٍ وكِباشٍ أولادِ باشانَ، وتُيوسٍ مع دَسَمِ لُب الحِنطَةِ، ودَمَ العِنَبِ شَرِبتَهُ خمرًا" (تث32: 14).

 "رأس ما تحتاج إليه حياة الإنسان: الماء والنار والحديد والملح وسميذ الحنطة والعسل واللبن ودم العنب والزيت واللباس" (سيراخ 39: 31).

فعصير العنب سيتحول إلى دم السيد المسيح المُقدَّس.

والكنيسة كَرْمة.. فنقول في اللحن: "أيها الرب إله القوات اطلع وانظر من السماء وتعهد هذه الكَرْمة هذه التي غرستها يمينك" (الاسبزموس الواطس السنوي).
والآية في المزمور تقول: "يا إلهَ الجُنودِ، ارجِعَنَّ. اطَّلِعْ مِنَ السماءِ وانظُرْ وتعَهَّدْ هذِهِ الكَرْمَةَ" (مز80 : 14).

+والسيد المسيح للكنيسة رأس وأصل، فهو رأس الجسد:

 "وإيّاهُ جَعَلَ رأسًا فوقَ كُل شَيءٍ للكَنيسَةِ" (أف1: 22).
 "بل صادِقينَ في المَحَبَّةِ، نَنمو في كُل شَيءٍ إلَى ذاكَ الذي هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أف4: 15).
 "لأنَّ الرَّجُلَ هو رأسُ المَرأةِ كما أنَّ المَسيحَ أيضًا رأسُ الكَنيسَةِ، وهو مُخَلِّصُ الجَسَدِ" (أف5: 23).
 "وهو رأسُ الجَسَدِ: الكَنيسَةِ. الذي هو البَداءَةُ، بكرٌ مِنَ الأمواتِ، لكَيْ يكونَ هو مُتَقَدمًا في كُل شَيءٍ" (كو1: 18).
 "الذي هو رأسُ كُل رياسَةٍ وسُلطانٍ" (كو2: 10).
+وهو أبينا أصل الكَرْمة وجذرها:
 "سيكونُ أصلُ يَسَّى والقائمُ ليَسودَ علَى الأُمَمِ، علَيهِ سيكونُ رَجاءُ الأُمَمِ" (رو15: 12).
 "الأسَدُ الذي مِنْ سِبطِ يَهوذا، أصلُ داوُدَ" (رؤ5: 5).
 "أنا أصلُ وذُريَّةُ داوُدَ. كوكَبُ الصُّبحِ المُنيرُ" (رؤ22: 16).
لذلك إذا وُصفت الكنيسة كجسد يكون السيد المسيح رأسها، ونحن الأعضاء. وإن وُصفت كَرْمة يكون السيد المسيح أصلها، ونحن الأغصان.
حقًا قيل عن الكنيسة والمسيح: "امرأتُكَ مِثلُ كَرْمَةٍ مُثمِرَةٍ في جَوانِبِ بَيتِكَ. بَنوكَ مِثلُ غُروسِ الزَّيتونِ حولَ مائدَتِكَ" (مز128: 3).
وتصرخ الكنيسة: "أَنَا كالكَرْمة المُنبِتة النِعمَة وأَزهارِي ثِمَار مَجْد وغِنَى" (سيراخ 24: 23).
وهي الكَرْمة التي غنَّى من أجلها إشعياء النبي: "في ذلكَ اليومِ غَنّوا للكَرْمَةِ المُشَتَهاةِ: أَنا الرَّبُّ حارِسُها. أسقيها كُلَّ لَحظَةٍ. لِئلا يوقَعَ بها أحرُسُها ليلاً ونهارًا" (إش27: 2-3).
إنها كنيسة الله التي زرعها.. "في حَقلٍ جَيدٍ علَى مياهٍ كثيرَةٍ هي مَغروسَةٌ لتُنبِتَ أغصانَها وتحمِلَ ثَمَرًا، فتكونَ كَرْمَةً واسِعَةً" (حز17: .

ربي يسوع..

دعني أثبت فيك أيها الكَرْمة الحقيقية..

"اُثبُتوا فيَّ وأنا فيكُم. كما أنَّ الغُصنَ لا يَقدِرُ أنْ يأتيَ بثَمَرٍ مِنْ ذاتِهِ إنْ لم يَثبُتْ في الكَرْمَةِ،
كذلكَ أنتُمْ أيضًا إنْ لم تثبُتوا فيَّ. أنا الكَرْمَةُ وأنتُمُ الأغصانُ. الذي يَثبُتُ فيَّ وأنا فيهِ هذا يأتي بثَمَرٍ كثيرٍ،